خطبة عيد الأضحى المبارك المذاعة والموزعة
بتاريخ 10 من ذي الحجة 1441هـ الموافق 31 / 7 / 2020م
عِيدُنَا أَهْلَ الإِسْلَامِ
الحَمْدُ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ عَلَى مَا مَنَّ بِهِ عَلَيْنَا مِنْ مَوَاسِمِ الخَيْرَاتِ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ مُسْبِــغُ النِّعَمِ وَدَافِعُ النِّقَمِ وَمُفَرِّجُ الكُرُبَاتِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ مَا دَامَتِ الأَرْضُ وَالسَّمَاوَاتُ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- فَإِنَّ تَقْوَى اللهِ خَيْرُ عَاصِمٍ مِنَ المُحَرَّمَاتِ، وَأَفْضَلُ مَا يُسْتَعَانُ بِهِ فِي الطَّاعَاتِ، قَالَ تَعَالَى: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ( [آل عمران:102].
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الحَمْدُ.
عِبَادَ اللهِ: إِنَّ يَوْمَكُمْ هَذَا هُوَ يَوْمُ الحَجِّ الأَكْبَرِ وَهُوَ يَوْمُ النَّحْرِ وَالأَضْحَى، وَهُوَ عِيدُنَا أَهْلَ الإِسْلَامِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَبَا بَكْرٍ، إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا وَهَذَا عِيدُنَا» [أخرجه البخاري]. فِي هَذَا اليَوْمِ يَتَجَلَّى شُكْرُ اللهِ عَلَى نِعَمِهِ، وَحَمْدُهُ عَلَى آلائِهِ، وَإِنَّ مِنْ صُورِ شُكْرِهِ سُبحانَهُ وَمِنْ أَعْظَمِ مَا يَتَقَرَّبُ بِهِ العَبْدُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي هَذَا اليَوْمِ وَالأَيَّامِ الَّتِي تَلِيهِ؛ ذَبْحَ الأَضَاحِيِّ، فَإِنَّها عِبَادَةٌ جَلِيلَةٌ قَرَنَهَا اللهُ مَعَ الصَّلَاةِ فِي مَوَاضِعَ في كِتَابِهِ، مِمَّا يَدُلُّ عَلَى مَكَانَتِهَا، قَالَ تَعَالَى: )فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ( [الكوثر:2]، وَقَالَ تَعَالَى: ) قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ( [الأنعام:162-163]. وعَنِ البَرَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: خَطَبَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ النَّحْرِ، قَالَ: «إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ بِهِ فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ، ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا، وَمَنْ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ، فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ عَجَّلَهُ لِأَهْلِهِ لَيْسَ مِنَ النُّسُكِ فِي شَيْءٍ» [أخرجه البخاري].
وَلَا تُجْزِئُ الأَضَاحِيُّ إِلَّا مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ، وَهِيَ الإِبِلُ وَالبَقَرُ وَالغَنَمُ، وَمِنْ شُرُوطِهَا: أَنْ تَكُونَ سَالِمَةً مِنَ العُيُوبِ المَانِعَةِ مِنَ الإِجْزَاءِ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَرْبَعَةٌ لَا يُجْزِينَ فِي الأَضَاحِيِّ: الْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا، وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا، وَالْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ ظَلَعُهَا، وَالْكَسِيرَةُ الَّتِي لَا تُنْقِي» [رَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ].
وَمِنَ الشُّرُوطِ أَيْضًا: أَنْ تَكُونَ الأُضْحِيَّةُ قَدْ بَلَغَتِ السِّنَّ المُعْتَـبَـرَةَ شَرْعًا: وَهِيَ خَمْسُ سِنِينَ فِي الإِبِلِ، وَسَنَـتَانِ فِي البَقَرِ، وَسَنَةٌ فِي المَاعِزِ، وَنِصْفُ سَنَةٍ فِي الضَّأْنِ. وَمِنَ الشُّرُوطِ أَيْضًا: أَنْ تُذْبَحَ فِي الوَقْتِ المُحَدَّدِ شَرْعًا: وَهُوَ بَعْدَ الفَرَاغِ مِنْ صَلَاةِ العِيدِ إِلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَهُوَ اليَوْمُ الثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ ذِي الحِجَّةِ، وَعَلَيْهِ فَتَكُونُ أَيَّامُ الذَّبْحِ أَرْبَعَةً: يَوْمَ العِيدِ وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بَعْدَهُ، وَيَجُوزُ الذَّبْحُ لَيْلًا وَنَهَارًا، وَالسُّنَّةُ أَنْ يَأْكُلَ المَرْءُ مِنْ أُضْحِيَّتِهِ وَأَنْ يَتَصَدَّقَ مِنْهَا، وَأَنْ يُهْدِيَ كَذَلِكَ، قَالَ تَعَالَى: )فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ( [الحج:28]. وَالأُضْحِيَّةُ تَكُونُ عَنِ الرَّجُلِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ، وَيُسَنُّ لِمَنْ وَسَّعَ اللهُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَكْثِرَ مِنَ الأَضَاحِيِّ تَقَرُّبًا إِلَى اللهِ وَطَمَعًا فِي ثَوَابِهِ، وَيَقُولَ بَعْدَ التَّسْمِيَةِ وَتَوْجِيهِهَا إِلَى القِبْلَةِ: «اللَّهُمَّ هَذَا مِنْكَ وَإِلَيْكَ، اللَّهُمَّ تَقَبَّلْهُ مِنِّي وَمِنْ أَهْلِ بَيْتِي».
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الحَمْدُ.
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَلِيَّ العَظِيمَ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية
الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ –عِبَادَ اللهِ- وَأَكْثِرُوا مِنْ ذِكْرِهِ، وَإِظْهَارِ شُكْرِهِ وَتَعْظِيمِهِ، وَاجْتَهِدُوا فِي إِظْهَارِ التَّكْبِيرِ فِي أَدْبَارِ الصَّلَوَاتِ حَتَّى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ. وَأَظْهِرُوا فَرَحَكُمْ - عِبَادَ اللهِ- فِي هَذِهِ الأَيَّامِ؛ فَهِيَ أَيَّامُ فَرَحٍ وَسُرُورٍ، وَهَنَاءٍ وَحُبُورٍ، وَصِلُوا أَرْحَامَكُمْ، وَأَحْسِنُوا إِلَى جِيرَانِكُمْ، وَتَوَدَّدُوا إِلَى إِخْوَانِكُمْ، وَوَسِّعُوا عَلَى أَبْنَائِكُمْ، مُرَاعِينَ الظُّروفَ الصِّحِّيَّةَ الَّتي يَمُرُّ بِها النَّاسُ مِنِ انْتشارِ هَذَا الوَباءِ -حَفِظَنا اللهُ جَميعًا مِنْهُ- وَمُلْتَزِمينَ بالنَّصائِحِ وَالتَّوصياتِ الصِّحِّيَّةِ، مِنَ التَّباعُدِ، وَلُبْسِ الكِمامَةِ، وَتعْقيمِ الأَيْدِي، وَعدَمِ المُصَافَحَةِ وَالتَّقْبيلِ حِرْصًا عَلَى سَلامَتِنا وَأَهْلِنا وَسَلامَةِ الآخَرِينَ، فَالشَّرْعُ يَدْعُونا لِأَنْ نَتَعامَلَ مَعَ هَذِه الظُّروفِ الصِّحيَّةِ بِكُلِّ حِكْمَةٍ وَرَوِيَّةٍ، وَأَن نَلْتَزِمَ جَميعَ النَّصائِحِ الصَّادِرَةِ عَنْ جِهاتِ الاخْتِصاصِ المَعْنيَّةِ، وَأَكْثِرُوا رَحمكمُ اللهُ تَعالى مِنَ الاسْتغْفَارِ وَتَسلَّحُوا بِالتَّوبَةِ وَالإِنابَةِ، وَارْفَعُوا أَيديَكُمْ بِالتَّضرُّعِ وَالدُّعاءِ لِرَبِّ الأرْضِ وَالسَّماءِ بِأَنْ يَرْفَعَ عَنَّا هَذِهِ الجَائِحَةَ وَيَرُدَّ هَذا البَلاءَ، وَأَحْسِنُوا ظَنَّكُمْ بِاللهِ تَعَالى، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ تَعالَى قَريبٌ يُجيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعاهُ: دَعاهُ أَيَّوبُ فَشفاهُ، وَدَعاهُ زَكريَّا فَوهَبَ لَهُ الولدَ، وَدَعاهُ يونسُ فَأنْجاهُ، وَدَعاهُ نُوحٌ فَنَصرَهُ، وَدَعاهُ مُحمَّدٌ فَأظْهرَهُ وَأَعزَّهُ وَنَصَرهُ، عَلَيهِمْ وَعَلى نَبيِّنا أَفْضَلُ الصَّلاةِ وَأَتمُّ التَّسليمِ.
اللَّهُمَّ ارْفَعْ عَنَّا البَلَاءَ وَالوَبَاءَ، اللَّهُمَّ إِنّا نسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ، اللَّهمَّ وَفِّقْ أَمِيرَنَا لِهُدَاكَ، وَاجَعَلْ أعْمَالَهُ فِي رِضَاكَ، وأَلْبِسْهُ ثَوبَ الصِّحَّةِ وَالعَافِيةِ، وَمُنَّ عَلَيهِ بِدَوامِ الشِّفَاءِ، وَرُدَّهُ إِلى وَطَنِهِ وَأَبْنَائِهِ بِتَمامِ الصِّحَّةِ وَكَمالِ العَافِيَةِ، اللَّهمَّ وَوَفِّقْ وَلِيَّ عَهْدِهِ الأَمِينَ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِناصِيَتِهِ لِلبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَاجْعَلِ اللَّهُمَّ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً مُطْمَئِنّاً سَخَاءً رَخَاءً وَسَائِرَ بِلادِ الْمُسْلِمِينَ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.